حجّيّته كظهوره فيه.

والسرّ في ذلك : أنّ الكلام الملقى من السيّد حجّة ليس إلّا ما اشتمل على العامّ الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلا بدّ من اتّباعه ما لم يقطع بخلافه. مثلا ، إذا قال المولى : «أكرم جيراني» ، وقطع (١) بأنّه لا يريد إكرام من كان عدوّا له منهم (٢) ، كان أصالة العموم باقية على الحجّيّة بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام ، للعلم بعداوته ، لعدم حجّة اخرى بدون ذلك على خلافه (٣). بخلاف ما إذا كان المخصّص لفظيّا ، فإنّ قضيّة تقديمه عليه (٤) هو كون الملقى إليه كأنّه كان ـ من رأس ـ لا يعمّ الخاصّ ، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاصّ متّصلا. والقطع بعدم إرادة العدوّ لا يوجب انقطاع حجيّته إلّا فيما قطع أنّه عدوّه ، لا فيما شكّ فيه ، كما يظهر صدق هذا من صحّة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته على مخالفته ، وعدم صحّة الاعتذار عنه بمجرّد احتمال العداوة ، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرّة المألوفة بين العقلاء الّتي هي ملاك حجّيّة أصالة الظهور.

وبالجملة : كان بناء العقلاء على حجّيّتها (٥) بالنسبة إلى المشتبه هاهنا. بخلاف هناك. ولعلّه لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما بإلقاء حجّتين هناك تكون قضيّتهما بعد تحكيم الخاصّ وتقديمه على العامّ كأنّه لم يعمّه حكما من رأس ، وكأنّه لم يكن بعامّ ؛ بخلاف هاهنا ، فإنّ الحجّة الملقاة ليست إلّا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدوّ في «أكرم جيراني» ـ مثلا ـ لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلّا فيما قطع بخروجه من تحته ، فإنّه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلا بدّ من اتّباعه ما لم تقم حجّة أقوى على خلافه.

__________________

(١) أي : قطع العبد.

(٢) أي : من الجيران.

(٣) أي : على خلاف العموم.

(٤) أي : تقديم الخاصّ على العامّ.

(٥) أي : حجّيّة أصالة الظهور بالنسبة إلى الفرد المشتبه ، كمحتمل العداوة.

۴۱۹۱