وفي مراجعة الوجدان للإنسان غنى وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك ، حيث يرى إذا راجعه أنّه لا غرض له في مطلوباته إلّا نفس الطبائع ، ولا نظر له إلّا إليها من دون نظر إلى خصوصيّاتها الخارجيّة وعوارضها العينيّة ، وأنّ نفس وجودها السعيّ (١) بما هو وجودها تمام المطلوب (٢) ، وإن كان ذاك الوجود

__________________

ـ بهذه العوارض ـ أي فرد الطبيعة ـ؟ وعليه فوجود الطبيعة أمر مفروغ عنه في محلّ النزاع.

ويظهر من المحقّق النائينيّ أنّ النزاع في المقام يرجع في الواقع إلى النزاع في وجود الطبيعيّ في الخارج وعدم وجوده. أجود التقريرات ١ : ٢١١ ـ ٢١٢.

ويظهر من السيّد الإمام الخمينيّ أنّ المراد من الكلّيّ الطبيعيّ في محلّ النزاع ليس الكلّيّ الطبيعيّ على اصطلاح علم المنطق ، بل المراد منه العنوان الكلّيّ ، فيبحث في المقام عن أنّ الأمر إذا تعلّق بعنوان كلّيّ فهل يسري إلى الأفراد المتصوّرة منها فتكون الطبيعة وسيلة إلى تعلّقه بالمصاديق الملحوظة ، أو لا يسري إليها بل تعلّق بنفس الماهيّة غير الموجودة الّتي أراد المولى بالأمر إخراجها عن المعدوميّة؟ مناهج الوصول ٢ : ٦٤ ـ ٦٩.

وتحقيق الكلام فوق مستوى ما نحن بصدده. وعلى الطالب المتتبّع أن يرجع إلى المطوّلات ، كنهاية الدراية ١ : ٤٨٠ ـ ٤٨٣ ، ونهاية الأفكار ١ : ٣٨١ ـ ٣٨٤ ، والمحاضرات ٤ : ١٢ ـ ٢١.

(١) والوجه في تسميته بذلك هو سعته باعتبار اتّحاده مع وجود كلّ فرد.

(٢) فعليه تعلّق الطلب بوجودها السعيّ ، لا بوجودها الخاصّ.

ولا يخفى : أنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد ، ولا تشخّص إلّا بالوجود ، فلا معنى لوجود الطبيعة بالوجود السعيّ ، لأنّ الوجود يلازم التشخّص.

وقد يقال ـ كما قال به المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ١ : ٤٨٤ ـ : أنّ الطلب تعلّق بالوجود المفروض ، وتأثير الطلب فيه بإخراجه من حدّ الفرض إلى الفعليّة. والوجود المفروض قابل للصّدق على كلّ وجود محقّق في الخارج. فالمراد من الوجود السعيّ هو الوجود المفروض.

ولا يخفى عليك : أنّ هذا في الأوامر الصادرة من غير الشارع ممكن. وأمّا في الأوامر الصادرة عن الشارع فممنوع ، كما لا يخفى.

ويمكن أن يقال : إنّ الأوامر والنواهي متعلّقة بالفرد ، لا بالفرد الخاصّ ، فالآمر أراد وجود الطبيعة الّتي تتخصّص بخصوصيّة في الخارج لا محالة ، وهو الفرد مطلقا ، لا أنّه أراد وجود الطبيعة الّتي تتخصّص بخصوصيّة خاصّة في الخارج.

والفرق بين الفرد على الإطلاق والفرد الخاصّ أنّ الأوّل يصدق على كلّ فرد بحيث كان الإتيان بكلّ فرد امتثالا للأمر ، بخلاف الثاني ، كما هو واضح.

۲۹۶۱