قلت : ما هو ملاك استحالة طلب الضدّين في عرض واحد آت في طلبهما كذلك(١) ، فإنّه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهمّ اجتماع طلبهما إلّا أنّه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما ، بداهة فعليّة الأمر بالأهمّ في هذه المرتبة ، وعدم سقوطه بعد بمجرّد المعصية فيما بعد ما لم يعص ، أو العزم (٢) عليها ، مع فعليّة الأمر بغيره أيضا ، لتحقّق ما هو شرط فعليّته (٣) فرضا.

لا يقال : نعم ، لكنّه بسوء اختيار المكلّف حيث يعصي فيما بعد بالاختيار ، فلولاه لما كان متوجّها إليه إلّا الطلب بالأهمّ ، ولا برهان على امتناع الاجتماع إذا كان بسوء الاختيار.

فإنّه يقال : استحالة طلب الضدّين ليس إلّا لأجل استحالة طلب المحال ،

__________________

ـ فتوجّه إليه أمر «أزل النجاسة» ـ بناء على أن تكون الإزالة أهمّ والصلاة مهمّا ـ ، وهذا الأمر مطلق. فلو ترك الإزالة وعصى الأمر به توجّه إليه الأمر بالمهمّ ـ أعني : «صلّ» ـ. فيكون عصيان الأمر بالأهمّ موضوعا للأمر بالمهمّ ، كأنّ المولى قال : «أزل النجاسة وإن عصيت أو بنيت على العصيان فصلّ». وعليه فالأمر بالضدّ المهمّ مترتّب على عصيان الأمر بالأهمّ وفي طوله بنحو الشرط المتأخّر ، أو مترتّب على البناء على المعصية بنحو الشرط المتقدّم أو المقارن ، مع بقاء الأمر بالأهمّ بعد عصيانه ، فإنّ الأمر لا يسقط بالعصيان. فالأمر بالضدّ المهمّ والأمر بالأهمّ وإن يجتمعان في زمان واحد ولكن أحدهما مطلق ـ وهو الأمر بالأهمّ ـ والآخر مشروط بشرط حاصل ـ وهو الأمر بالمهمّ الّذي مشروط بعصيان الأمر بالأهمّ أو البناء عليه ، والمفروض أنّه حاصل ـ ، فيختلفان رتبة لتأخّر الأمر بالمهمّ عن الأمر بالأهمّ ، فلا يلزم من طلبهما بهذا النحو محذور طلب الضدّين في عرض واحد ، بل هو واقع كثيرا في العرف.

(١) والأولى أن يقول : «ما هو الملاك في عدم المعقوليّة من استحالة طلب الضدّين ...» أو يقول : «ما هو ملاك الاستحالة من طلب الضدّين ...». ومراده أنّ ملاك عدم إمكان تعلّق الأمر بالضدّ ليس إلّا طلب الضدّين في عرض واحد ، لأنّه محال ، وهو يأتي في طلب الضدّين بنحو الترتّب أيضا. وذلك لأنّ الأمر بالأهمّ وإن لم يجتمع مع الأمر بالمهمّ في صورة اطاعة أمره ـ حيث لم يحقّق موضوع الأمر بالمهمّ ـ ، إلّا أنّه يجتمع مع الأمر بالمهمّ في صورة ترك الأهمّ ، ضرورة أنّ الأمر بالمهمّ وإن كان مشروطا ، لكن المفروض أنّ شرطه حاصل ، فيكون فعليّا ، والأمر بالأهمّ مطلق ولا يختصّ بصورة الإطاعة ، فهو أيضا فعليّ ، فإذن يجتمع الأمران الفعليّان المتعلّقان بالضدّين في آن واحد ، وهو محال.

(٢) عطف على المعصية.

(٣) وهو عصيان الأمر بالأهمّ أو العزم عليه.

۲۹۶۱