وغاياتها (١) إنّما تكون متوقّفة على إحدى هذه العبادات ، فلا بدّ أن يؤتى بها عبادة ، وإلّا فلم يؤت بما هو مقدّمة لها. فقصد القربة فيها إنّما هو لأجل كونها في نفسها امورا عباديّة ومستحبات نفسيّة ، لا لكونها مطلوبات غيريّة (٢).

والاكتفاء بقصد أمرها الغيريّ فإنّما هو لأجل أنّه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه ، حيث إنّه لا يدعو إلّا إلى ما هو المقدّمة (٣) ، فافهم (٤).

__________________

(١) أي : غايات الطهارات الثلاث كالصلاة والحجّ والطواف وغيرها.

(٢) والحاصل : أنّ منشأ عباديّة الطهارات الثلاث انّما هو الأمر النفسيّ الاستحبابيّ المتعلّق بها بما هي عبادة في نفسها.

وبذلك تندفع الإشكالات الأربعة :

أمّا الأوّل والثاني : فلأنّ التقرّب واستحقاق الثواب ليس من جهة موافقة الأمر الغيريّ كي يقال : إنّ موافقته لا تستلزم القرب والثواب. بل من جهة موافقة الأمر الاستحبابيّ المتعلّق بنفسها.

وأمّا الثالث : فلأنّ الأمر الغيريّ هاهنا متعلّق بما هو عبادة في نفسه ، فلا يتحقّق الإتيان بمتعلّقه إلّا بالإتيان به بنحو العباديّة.

وأمّا الرابع : فلأنّ الأمر الغيريّ وإن توقّف على عباديّة الفعل ، إلّا أنّ عباديّة الفعل لا تتوقّف على الأمر الغيريّ ، بل عباديّته ناشئة من الأمر النفسيّ الاستحبابيّ ، فلا دور.

والمحقّق النائينيّ أورد على ما أفاد المصنّف في جواب الإشكال من وجوه. تعرّض لها السيّد المحقّق الخوئيّ وأجاب عنها. فراجع أجود التقريرات ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٣) قوله : «والاكتفاء بقصد أمرها الغيريّ» إشارة إلى ثالث الوجوه من الإيرادات الّتي أوردها المحقّق النائينيّ على المصنّف. وأوّل من تعرّض له هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٧٠ ، وحاصله : أنّه لو كانت الطهارات متعلّقة للأوامر النفسيّة فلا بدّ في الإتيان بها عبادة من قصد أمرها النفسيّ ولو في ضمن الطلب الوجوبيّ الغيريّ. وهذا خلاف طريقة الفقهاء ، فإنّهم بنوا على الاكتفاء بإتيانها بقصد أمرها الغيريّ من دون اعتبار الالتفات إلى أمرها النفسيّ. وهذا يكشف عن أنّ عباديّتها بالأمر الغيريّ ، فيعود المحذور.

وأجاب عنه المصنّف بقوله : «فانّما هو لأجل ...». وحاصله : أنّه لمّا كان الأمر الغيريّ لا يدعو إلّا إلى ما هو المقدّمة ، والمفروض أنّ المقدّمة في المقام هي الطهارات الثلاث المأمور بها بالأمر النفسيّ ، فالأمر الغيريّ تعلّق بالفعل العباديّ ، وقصده يوجب قصد الأمر النفسيّ ضمنا ، وهو المصحّح لعباديّتها.

(٤) لعلّه إشارة إلى أنّ الأمر النفسيّ الاستحبابيّ إمّا أن يكون ملتفتا إليه حين العمل ـ ولو ـ

۲۹۶۱