حكم التردّد بين النفسيّة والغيريّة

ثمّ إنّه لا إشكال فيما إذا علم بأحد القسمين. وأمّا إذا شكّ في واجب أنّه نفسيّ أو غيريّ ، فالتحقيق أنّ الهيئة وإن كانت موضوعة لما يعمّهما إلّا أنّ إطلاقها يقتضي كونه (١) نفسيّا ، فإنّه لو كان شرطا لغيره لوجب التنبيه عليه على المتكلّم الحكيم.

وأمّا ما قيل (٢) من : «أنّه لا وجه للاستناد إلى إطلاق الهيئة لدفع الشكّ المذكور بعد كون مفادها الأفراد الّتي لا يعقل فيها التقييد (٣). نعم ، لو كان مفاد الأمر هو مفهوم الطلب صحّ القول بالإطلاق ، لكنّه بمراحل من الواقع ، إذ لا شكّ في اتّصاف الفعل بالمطلوبيّة بالطلب المستفاد من الأمر ، ولا يعقل اتّصاف المطلوب بالمطلوبيّة بواسطة مفهوم الطلب ، فإنّ الفعل يصير مرادا بواسطة تعلّق واقع الإرادة وحقيقتها لا بواسطة مفهومها. وذلك واضح لا يعتريه ريب».

ففيه : أنّ مفاد الهيئة ـ كما مرّت الإشارة إليه (٤) ـ ليس الأفراد ، بل هو مفهوم الطلب ـ كما عرفت تحقيقه في وضع الحروف (٥) ـ ، ولا يكاد يكون فرد الطلب الحقيقيّ (٦) والّذي يكون بالحمل الشائع طلبا ، وإلّا لما صحّ إنشاؤه بها ، ضرورة أنّه من الصفات الخارجيّة الناشئة من الأسباب الخاصّة (٧). نعم ، ربما يكون هو (٨) السبب لإنشائه كما يكون غيره أحيانا.

واتّصاف الفعل بالمطلوبيّة الواقعيّة والإرادة الحقيقيّة ـ الداعية إلى إيقاع طلبه

__________________

(١) أي : الواجب.

(٢) والقائل الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٦٧.

(٣) والوجه في ذلك أنّ الأفراد واقعيّات خارجيّة جزئيّة ولا يعقل السعة والإطلاق فيها ، فلا يعقل الضيق والتقييد فيها.

(٤) لا يخفى عليك : أنّه ليس في كلام المصنّف في مبحث الوضع من مفاد الهيئة عين ولا أثر ، إلّا أنّه لما كانت الهيئات ملحقة بالحروف في الوضع فالتصريح بوضع الحروف إشارة إلى وضعها.

(٥) راجع الأمر الثاني من الأمور المقدّمة في مقدّمة الكتاب : ٢٨.

(٦) الإضافة بيانيّة ، فمعنى العبارة : أنّه لا يكاد يكون مفهوم الطلب فردا للطلب ، وهو الطلب الحقيقيّ.

(٧) وهي الأسباب التكوينيّة الخارجيّة.

(٨) أي : الفرد الخارجيّ من الطلب.

۲۹۶۱