وما ذكرناه من الوجهين موافق لما أفاده بعض مقرّري بحث الاستاذ العلّامة رحمه‌الله (١).

وأنت خبير بما فيهما :

أمّا في الأوّل : فلأنّ مفاد إطلاق الهيئة وإن كان شموليّا بخلاف المادّة ، إلّا أنّه لا يوجب ترجيحه على إطلاقها ، لأنّه أيضا كان بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، غاية الأمر أنّها تارة تقتضي العموم الشموليّ واخرى البدليّ ، كما ربّما تقتضي التعيين أحيانا ، كما لا يخفى.

وترجيح عموم العامّ على إطلاق المطلق إنّما هو لأجل كون دلالته بالوضع ، لا لكونه شموليّا ؛ بخلاف المطلق فإنّه بالحكمة ، فيكون العامّ أظهر منه فيقدّم عليه.

فلو فرض أنّهما في ذلك على العكس ـ فكان عامّ بالوضع دلّ على العموم البدليّ ومطلق بإطلاقه دلّ على الشمول ـ لكان العامّ يقدّم بلا كلام (٢).

وأمّا في الثاني : فلأنّ التقييد وإن كان خلاف الأصل ، إلّا أنّ العمل الّذي يوجب عدم جريان مقدّمات الحكمة وانتفاء بعض مقدّماته لا يكون على خلاف أصل (٣) أصلا ، إذ معه لا يكون هناك إطلاق كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة

__________________

(١) وهو الشيخ أبو القاسم الكلانتريّ في مطارح الأنظار : ٤٩.

(٢) لأنّ ظهور العامّ بالوضع وظهور المطلق بالإطلاق.

ولكن التحقيق : أنّ المناط في التقديم هو الأظهريّة ، سواء كان منشؤها الوضع أو الإطلاق.

وخالفه المحقّق النائينيّ ، واختار مقالة الشيخ الأنصاريّ من تقديم الإطلاق الشموليّ على الإطلاق البدليّ ، واستدلّ عليه بثلاثة امور ذكرها السيّدان العلمان ـ الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئيّ ـ ثمّ ناقشا فيها. فذهب الأوّل إلى إنكار أساس البحث إمّا من جهة عدم دلالة للّفظ كي تكون شموليّة أو بدليّة ، وإمّا من جهة عدم تصوّر المسألة بوجه معقول. وذهب الثاني إلى أنّ ترجيح الشموليّ على البدليّ في الإطلاق انّما يصحّ فيما إذا كانت المعاندة بين الدليلين بالذات ، والمعارضة في المقام ليست بالذات بل تعرض من العلم الاجماليّ بأنّ القيد إمّا راجع إلى الهيئة وإمّا راجع إلى المادّة. فراجع فوائد الاصول ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٨ ، ومناهج الوصول ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٨ ، والمحاضرات ٢ : ٣٣٤ ـ ٣٣٨.

(٣) وفي بعض النسخ : «الأصل».

۲۹۶۱