وبالجملة : الّذي يتكفّله الدليل ليس إلّا الانفكاك بين الإرادة الحقيقيّة والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما ، وهو (١) ممّا لا محيص عن الالتزام به ـ كما عرفت ـ ، ولكنّه لا يضرّ بدعوى الاتّحاد أصلا ، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقيّ والإنشائيّ ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه يمكن ممّا حقّقناه أن يقع الصلح بين الطرفين ، ولم يكن نزاع في البين ، بأن يكون المراد بحديث الاتّحاد ما عرفت من العينيّة مفهوما ووجودا ، حقيقيّا وإنشائيّا ، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينيّة هو اثنينيّة الإنشائيّ من الطلب ـ كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه ـ والحقيقيّ من الإرادة ـ كما هو المراد (٢) غالبا منها حين إطلاقها ـ ، فيرجع النزاع لفظيّا ، فافهم (٣).

دفع وهم (٤)

لا يخفى : أنّه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة ـ من نفي غير الصفات المشهورة وأنّه ليس صفة اخرى قائمة بالنفس كانت كلاما نفسيّا مدلولا للكلام اللفظيّ كما يقول به الأشاعرة ـ أنّ هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام (٥).

إن قلت : فما ذا يكون مدلولا عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟

__________________

(١) أي : الانفكاك بين الإرادة الحقيقيّة والطلب الإنشائيّ.

(٢) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «والحقيقيّة من الإرادة كما هي المرادة ...».

(٣) لعلّه إشارة إلى أنّ الأشاعرة التزموا بثبوت صفة نفسانيّة اخرى في النفس قبال الإرادة ، وصرّحوا بالمغايرة بين الطلب والإرادة الحقيقيّين ، فكيف يمكن أن يحمل كلامهم على المغايرة بين الطلب الإنشائيّ والإرادة الحقيقيّة؟!

(٤) حاصل الوهم : أنّه لا بدّ للكلام اللفظيّ من مدلول ، وإذا لم يكن مدلوله الكلام النفسيّ ـ كما يدّعيه الأشاعرة ـ فثبت أنّ مدلوله إحدى الصفات المشهورة من العلم والإرادة والترجّي وغيرها.

(٥) والوجه في ذلك أنّ مقصودهم في المقام نفي ما ادّعاه الأشاعرة من ثبوت صفة زائدة على الصفات المشهورة ، وهو يثبت من دون حاجة إلى إثبات مدلول الكلام اللفظيّ.

۲۹۶۱