فإنّ الحقّ فيها لمتعدّد ، فالعمل بالبعض في كلّ منهما جمع بين الحقّين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر بالدواعي النفسانيّة ، فهو أولى من الإهمال الكلّي لأحدهما وتفويض تعيين ذلك إلى اختيار الحاكم ودواعيه النفسانيّة الغير المنضبطة في الموارد. ولأجل هذا يعدّ الجمع بهذا النحو مصالحة بين الخصمين عند العرف ، وقد وقع التعبّد به في بعض النصوص (١) أيضا.

فظهر ممّا ذكرنا : أنّ الجمع في أدلّة الأحكام بالنحو المتقدّم ـ من تأويل كليهما ـ لا أولويّة له أصلا على طرح أحدهما والأخذ بالآخر ، بل الأمر بالعكس.

الجمع بين البيّنات في حقوق الناس

وأمّا الجمع بين البيّنات في حقوق الناس ، فهو وإن كان لا أولويّة فيه على طرح أحدهما بحسب أدلّة حجّيّة البيّنة ؛ لأنّها تدلّ على وجوب الأخذ بكلّ منهما في تمام مضمونه ، فلا فرق في مخالفتها (٢) بين الأخذ لا بكلّ منهما بل بأحدهما ، أو بكلّ منهما لا في تمام مضمونه بل في بعضه ، إلاّ أنّ ما ذكرناه (٣) من الاعتبار لعلّه يكون مرجّحا للثاني على الأوّل.

ويؤيّده : ورود الأمر بالجمع بين الحقّين بهذا النحو في رواية السكوني (٤) ـ المعمول بها ـ في من أودعه رجل درهمين وآخر درهما (٥) ،

__________________

(١) المقصود منه رواية السكوني الآتية بعد سطور.

(٢) في غير (ظ) : «مخالفتهما».

(٣) في (ر) : «ذكر».

(٤) الوسائل ١٣ : ١٧١ ، الباب ١٢ من أحكام الصلح ، الحديث الأوّل.

(٥) في (المصدر) بدل «درهمين ودرهم» : «دينارين ودينار».

۳۵۲۱