أنّا قاطعون بأنّ من أعظم ما جاء به النبيّ السابق الإخبار بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما يشهد به الاهتمام بشأنه في قوله تعالى ـ حكاية عن عيسى ـ : ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ(١) فكلّ ما جاء به من الأحكام فهو في الحقيقة مغيّا بمجيء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدين عيسى عليه‌السلام المختصّ به عبارة عن مجموع أحكام مغيّاة إجمالا بمجيء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المعلوم أنّ الاعتراف ببقاء ذلك الدين لا يضرّ المسلمين فضلا عن استصحابه.

فإن أراد الكتابيّ دينا غير هذه الجملة المغيّاة إجمالا بالبشارة المذكورة ، فنحن منكرون له ، وإن أراد هذه الجملة ، فهو عين مذهب المسلمين ، وفي الحقيقة بعد كون أحكامهم مغيّاة لا رفع حقيقة ، ومعنى النسخ انتهاء مدّة الحكم المعلومة (٢) إجمالا.

فإن قلت : لعلّ مناظرة الكتابيّ ، في تحقّق الغاية المعلومة ، وأنّ الشخص الجائي هو المبشّر به أم لا ، فيصحّ تمسّكه بالاستصحاب.

قلت : المسلّم هو الدين المغيّا بمجيء هذا الشخص الخاصّ ، لا بمجيء موصوف كلّيّ حتّى يتكلّم في انطباقه على هذا الشخص ، ويتمسّك بالاستصحاب.

الوجه الخامس

الخامس : أن يقال : إنّا ـ معاشر المسلمين ـ لمّا علمنا أنّ النبيّ السالف أخبر بمجيء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ ذلك كان واجبا عليه ، ووجوب الإقرار به والإيمان به متوقّف على تبليغ ذلك إلى رعيّته ، صحّ لنا أن

__________________

(١) الصفّ : ٦.

(٢) في (ر): «المعلوم».

۴۳۹۱